المواطنية المزدوجة  المع والضد

عاجل

الفئة

shadow


*✍️ منجد شريف*

هموم جمة يراكمها المواطن اللبناني،و تنطلق من العنوان الإقتصادي الذي تجلى بالإنهيار الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار،و ما إنعكس بعدها على فارق الأسعار الشاسع في كل السلع و الخدمات،و رافق الإنهيار الإقتصادي أو ربما أحد مفاعيله المباشرة،الإنهيار المتسارع في النظام السياسي،و الذي تكشف عن هشاشة كبيرة،و إنعدام القدرة على إختيار رئيس للجمهورية إلا في حال تلاقت المصالح الدولية و الإقليمية،و هو ما ينطبق على باقي السلطات الرئيسية،فكأن المواطن اللبناني يعيش مواطنية مزدوجة بين الداخل و الخارج،و الملفت أن اللبناني قد تمنع ضد كل أشكال الحروب و الأزمات،فبالرغم من الحدة الكبيرة التي إتسمت بها المرحلة على الصعيدين السياسي و الإقتصادي،تسجل للبناني صموده الغريب في هكذا عاصفة،فمن ذا الذي يستطيع تقبل فكرة الدولار من سعر ال١٥٠٠ ليرة لبنانية حتى ال١٥٠٠٠٠ ليرة لبنانية،و كأن شيئاً لم يكن،ربما صار واضحاً للبناني على إختلاف تنوعه السياسي  و إصطفافاته،أنها حرب دولية هدفها رأس المقاومة،فمن هو مَع المقاومة مَنَّع نفسه ضدها من أجل الصمود و تفويت الفرصة على مفتعليها من جني ثمارها في السياسة،و هو ما تكشفت عنه الأيام القليلة الماضية في ذكرى يوم القدس العالمي،و الذي برهن عن متانة القدرة عند المحور و في ربط الجبهات،و ما صدر من مواقف علانية تشي بالكثير،و ستنعكس حتماً على طبيعة الصراع مع العدو،خاصة و أن الداخل الإسرائيلي يعيش مشكلة بنيوية،جراء فقدانه للكثير من مقومات القدرة الردعية لا بل من نواة تلك الدولة المزعومة،و أبرزها عنصر المبادرة،و سرقة الإنتصارات و التعييب على العرب ضمن مكوناتهم الإستعمارية التي فُصِّلت على مقاس ذلك العدو الغاشم،و خير دليل  العدوان الثلاثي و حرب العام ١٩٦٧،و الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢،لقد تغيرت مقاليد اللعبة،جراء القدرات المتنامية للمقاومة و في كل الجبهات،و خاصة ما تحقق في حرب تموز العام ٢٠٠٦ من تغيير قواعد الإشتباك،كما يعود   ذلك إلى درجات الوعي عند الشعب العربي،بمختلف مكوناته،و بالأخص  ذلك الجيل الصاعد في فلسطين،و هذه من نعم الله،أن لا تستطيع إسرائيل طمس الهوية للروح الفلسطينية المقاومة،فكانت براعم الفتية و الشبان تعطي الكثير من الأمل،و أنه لا يموت حق وراءه مطالب،و قد تصدرت القضية الفلسطينية كل العناوين و عادت الى الواجهة مجدداً،بعدما خالج الظن بعض العرب المتماهين بالسياسات الغربية،أن فلسطين ستصبح من الماضي،و ان الخطة الابراهيمية ستصبح أمراً واقعاً،و يجب التكيف معها لضمان مستقبل العلاقات مع الغرب برموزها الإستعمارية،حتى لا تتزعزع زعامتهم المستقبلية،فكانت فلسطين مجدداً هي الواجهة و العنوان،و زاد الأمر وضوحاً ما تعانيه إسرائيل من الداخل من أزمة حكم،و من الخارج من فقدان القدرة على المبادرة و المباغتة،فكأننا نعيش مرحلة مختلفة قد تحمل الكثير من المفاجآت في القادم من الأيام.
إذن لبنان ما زال في فترة المراوحة بسبب العناوين المدرجة أعلاه،و لا يخالجن البعض الشك و لو للحظة،بأن بنيان دولتنا له القدرة على مواجهة العواصف السياسية الدولية و الإقليمية العاتية،و هذا ما تكشفت عنه السنوات الثلاث الماضية،فلا المشكلة في الفساد على أهمية تلك المشكلة و ضرورة حلها الجذري من أجل بناء دولة عصرية،و لا المشكلة في اللبناني و خياراته السياسية،بل المشكلة كل المشكلة أن اللبناني منذ فجر كينونته الوطنية و هو منقسم بين عنوانين،مع و ضد،و هذه المع و الضد،كانت الوسيلة الفضلى لجر الويل و الثبو و عظائم الأمور،هذه المع و الضد،و التي بدأت عند هوية الكيان و تنقلت،منذ العام ١٩٢٠ إعلان دولة لبنان الكبير،إلى العام ١٩٤٣ إستقلال لبنان،و بعدها في العام ١٩٥٧،و مروراً بالعام ١٩٦٩،و ما تبعها في العام ١٩٧٥ من حرب استمرت حتى العام ١٩٨٩،و بقي عنوان المع و الضد سمة السياسة المتأصلة في البنيان اللبناني، و ضمر ذلك العنوان إلى حين بعد هدنة بسيطة جراء تسيد الولايات المتحدة الأميركية على عرش الأحادية القطبية،و تفرغها لفرض سياستها و حروبها على كامل الكرة الأرضية خدمة لمصالحها أولاً و مصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب ثانية أو ربما العكس بالعكس صحيح،فكان لبنان في حال من الهدنة إلى حين إغتيال الرئيس رفيق الحريري،فتظهرت عندها طبيعة الصراع من جديد و عدنا الى مع و الضد،مع المقاومة و حركات التحرر في المنطقة،أم مع الإنصياع التام و التماهي المطلق مع كل التطلعات السياسبة للأحادية القطبية و من لف لفيفها؟!!
هذا هو العنوان،أما العناوين الداخلية و في كل البلدان العربية من دول الطوق،أو من الدول المؤثرة،فهي منبثقة عن الأسباب عينها،و ما مشكلتنا في لبنان إلا متفرع لهذا الصراع الكبير،و ما تأتى عنه من خلال الحرب الروسية الأوكرانية،و هي الحرب الهادفة إلى كسر الهيمنة الإقتصادية،و الأحادية القطبية،و حرب اللا للتفرد في السياسات و الإقتصادات الدولية،فبين كل تلك العناوين يعيش لبنان حال من الإنتظار حتى تتكشف بوادر حلول مرتقبة من التقارب في بعض الملفات،خاصة ما رشح عن الإتفاق الإيراني السعودي،و عن مستقبل العلاقات العربية،و خاصة ما نتج عنها في الإنفتاح على سوريا،و العودة التدريجية لتطبيع العلاقات معها و ربما في المستقبل القريب عودتها إلى حضن الجامعة العربية،مع ما يعني ذلك من إقفال للحقبة الماضية و المضي في مستقبل جديد في العلاقات العربية العربية،و هي علاقات مهمة على الصعيد الداخلي في لبنان،و بين كل هذا تحاول فرنسا نسج نوع من العلاقات بين كل الأفرقاء في الداخل اللبناني تمهيداً منها لضوء أخضر دولي تتلاقى فيه مصالح كل الأطراف من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية،فتتجسد المواطنية المزدوجة عند اللبناني،لأنه غير حر ابداً في خياراته السياسية،و إلا لما كنا في هذا الحال من الفراغ على صعيد الرئاسة الأولى،و حتى تكتمل كل تلك العناصر في المشهدين الدولي و الإقليمي،سيعيش اللبناني على وقع الأزمات في كل قطاعات الدولة،و لن يحل أي منها إلى حين انتظام الحياة السياسية و عودة الرضا الدولي و الإقليمي،و فيما عدا ذلك تحركات محدودة لا تسمن و لا تغني عن جوع،و كل التحركات و الشعارات المطلبية لن تتعدى حناجر مطلقيها،لأنها كالضرب بالميت،فلبنان بلا روح،و لن تعود الحياة إليه إلا من مدخل إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية،و هذا يعني أننا دخلنا في مرحلة الإنفراجات،و بعدها ستتوالى كل الحلول لمختلف المشكلات التي تفرعت عن تلك الأزمة.

الناشر

عباس دقدوق
عباس دقدوق

shadow

أخبار ذات صلة